... حتى أنت يا بحر

مضى زمن لم أرك فيه ... اشتقت إلى صخبك و مجونك ... إلى صفائك و هدوئك ... إلى حوار عميق معك ... فقلت سألبّي دعوتك الصارخة لي ... و سأهرب من صلابة الصخور و صمتها ... فهرعت إليك حاملة جمود أحاسيسي التي تخشبت علك ترشني برذاذك ، فتكسبني بعضاً من مرونة موجاتك
... و التقينا على الحزن
و الحزن أبلغ من كل فنون الفرح ، فتحت لك ذراعي لكي يلفني نسيمك ، فإذا بك تنسحب من أمامي خجلاً حاملاً معك حذرك ... مستخفّاً بلهفتي
ركضت أبحث عنك فيك ، كي ألمس عمقك ، كي أتحسس نبضك ، فإذا بك ضحلاً خاوياً لا تملك إلا جزراً إثر الجزر ، و حصاة مدببة نثرتها تحت قدميك و قدمي ... لمزيد من الوجع
من منّا تغير يا بحر ؟؟؟
أأنا من جف بحري أم أنت ضقت و ضاق علينا شاطئك ... ثم صغرت حتّى أضحى أفقك عالماً آخر غير عالمنا
... وأصبح لك حدود ... و البحر المحدود يفقد جاذبيته
برودة استقبالك لي منعتني من أن أبثك شوقي و شكواي ... فاكتفيت بتأملك و أنت تتكسر على أقدامي حزيناً ، تفرش لي موجاتك الكسلى بساطاً من الزبد المخجول ... الذي لا يقوى على الصعود حتى إلى كاحلي
جئت إليك يا بحر و كلّي أمل أن تغسلني من أحزاني ... فصدمني خنوعك ... و خذلني تسامحك مع قراصنة البحر ... و أغاظني فرحك المستقر على شواطئهم
... لم تعد بحري يا بحر
أضحيت بحرهم
... و حين شعرت بخيانتك لي ... تحولت في نظري إلى أصغر من بحيرة
... إلى أضيق من مجرى
... إلى أتفه من ساقية خربة
تحولت في نظري إلى دمعة كبيرة سقطت في جوفي ... و أحرقتني
فأدرت لك ظهري و غادرتك بلا أسف
و افترقنا على الحزن
......
اغتسل يا بحر بالموج ... كي تستعيد هيبتك
و اغضب
كي أحبك من جديد
...